الوسم: الدستور

انتعشت رئتاي بدفقة الهواء الأولى، فجر يوم الجمعة عند مشارف الساعة السادسة صباحاً يوم 11 أبريل 1980م، من صلب أبٍ ليبي صارمٍ حازم ما انفك عن انتقادي وتقويمي في كل كبيرة وصغيرة منذ أربعي الأولى وحتى سردي لهذه الكلمات فجبلتُ كما أنا وأصبحت أنا من أنا ، وأمٍ عربية الأصول لها في نسبها مليون شهيدٍ في ملحمة واحدة ، دأبها البساطة والسماحة ، هذان هما أبواي أعتز بهما وأفتخر ، لطالما كان لهما الدور العظيم في صقل شخصي وكانا عضدي فيما مررت به من صعاب. نشأت وترعرعت في أروقة حي شعبي مدني يكنّى بالخير، يتوسط قلب العاصمة طرابلس. في بداياتي وتحديداً في عقدي الأول عشت في نمط حياة هو أقرب لما يقال عنه أدبياً (في فمي ملعقة ذهب) فقد كان الحال ميسوراً والعائلة في رخاء ورغد مادي واجتماعي، إلا أن العقد الثاني كان يخالف سابقة بكل المقاييس، كانت عشراً عجافاً على كل الأصعدة مادياً واجتماعيا أيضاً ، وقد تبدل الحال فأضحت العائلة بالكاد تنال قوت يومها, ودب الشتات والبين بعد أن كانت العائلة حبلا واحداً، مع بداية المنتصف الأخير من العقد الثاني بت أميز الخير من الشر والغي من الصواب، فأصبحت العامل الأساسي لوصل الحبل الاجتماعي ورأب صدع الأسرة، فضلاً عن عملي في الأسواق الشعبية كبائع متجول بفترة ما بعد الظهيرة (بسوق الرشيد)، ومع بداية العقد الثالث ازداد حجم التحديات في حياتي، لا سيما و ارتفاع سقف المتطلبات المادية لطالب دارسٍ في كلية الحاسب الآلي (غوط الشعال) ولكي يتسنى لي سداد فاتورة تلك المتطلبات، شرعت في العمل كناقل للبضائع والأمتعة (عتال) في ميناء الشعاب بطرابلس 1999, كانت من أجمل وأقسى وأمر وأعظم مراحل حياتي فقد خضت فيها تجارب تكاد تشبه قصص السندباد البحري، وفي السنة الأخيرة من مرحلة دراستي الجامعية بدأ يلمع نجمي وتبزغ مواهبي في تخصصي (البرمجة وتحليل النظم الإلكترونية)، فأبرمت عقداً للعمل في شركة NSR العالمية في ذات التخصص 2002 دام ثلاثة أعوام اكتسبت فيها فيضاً لا حصر له من الخبرات والتجارب تخللها عمل لستة أشهر متواصلة بالشركة الليبية للاستثمارات الخارجية صممت وأنجزت فيها نظاماً لإدارة المساهمات والتحليل المالي. الذي تضمن كافة استثمارات ليبيا بالخارج وبها أضفت إلى معارفي العلمية القدر الكبير من الخبرات الاقتصادية توجتُ به، المعارف التي تعلمتها في تلك السنوات الثلاث من دراية بآليات العمل الضريبي وأيضاً المصرفي بأدق تفاصيله موثقة بشهادات أخرى عالمية لبعض جوانب التخصص كنظام إدارة قواعد بيانات (أوراكل). وعند مطلع العام 2005 تغير مجرى حياتي المهنية ، بدأ ذلك باتصال هاتفي من أحد زملاء الدراسة أخبرني آن ذاك بأن إحدى مؤسسات الدولة الأمنية ترغب في توظيف (تعيين) عددا من مهندسي الإلكترونات والاتصالات والبرمجيات، آثرت حينها أن أحور مساري المهني لما لاح لي من مفاضلات عن عملي الأول كاستبدال العقد بتعيين والاستقرار الضريبي والضماني عند العمل في مؤسسات الدولة والتي غالباً لا يتوفر بالشكل ذاته في المؤسسات والشركات الخاصة, والأهم مما سلف ذكره بأن العمل الجديد يصاحبه إعفاء من الخدمة الوطنية (التجييش الإجباري) الأمر الذي كان يهدد استقراري الوظيفي في عملي الأول بشركة NSR نظراً لصعوبة التوفيق بينه وبين الالتزام بالعمل، كان ذلك في حد ذاته كافياً لإنهاء عملي في تلك الشركة, أبرز الأسباب لأختياري للعمل الجديد تميز فكرة مشروع تخرجي وتفوقي في إنجازه، لاسيما وقد كان في أحد أدق جوانب الأمن المعلوماتي وعلم الجريمة (اكتشاف وتمييز تقاسيم وجوه الشخصيات البشرية) ، كان مشروع تخرجي في حد ذاته خليطاً شيقاً من التجارب اضطرني لأن أدرس علم النفس والسلوكيات وخصوصاً علم الإجرام (نظرية لامبروزو ونموذج الإنسان المجرم بالولادة) وعلم الأجناس والسلالات البشرية، ناهيك عن جانب كبير من علم التشريح بل وحتى علم الوراثة, ومن هنا لم تعد حياتي أبداً كما كانت وما كنت عليه في السابق، فلن يدرك معنى أن تنعرج مسيرتك من شاب يافعٍ طموح يخطو خطواته الأولى في حياته المهنية بإيقاع رتيب في مجال إداري هندسي، ليرمى فجأة في أحد أشد العوالم دونيةً وتطرفاً (إدارة الاستخبارات العسكرية) لن يدرك ذلك إلا من كان في ذات الظروف، فهناك لا مكان لحسن النوايا أو الود أو أياً من الخصال والسمات النبيلة، حيث كان الخبث ، المكر ، المكائد ، الاستغلال ، الوشاية ، المصالح والنفاق وكل ما في السياق مما يمكن أن يكون في ذلك العالم، حتى منتصف العام 2009 كنت قد قضيت خمس سنوات أو يزيد في عالم الاستخبارات تعلمت فيها ما الله به عليم من خبرات سواءً في مجالي التخصصي أو في محك الحياة والتجارب الإنسانية التي اختتمت بمكيدة من إحدى عصابات الفساد في تلك المؤسسة كادت أن تنهي حياتي المهنية بل لربما حياتي بأسرها، خرجت بحصيلة زاخرة من الخبرات والمعارف أعتز وأفتخر بترصيعها لحصيلتي الثقافية والمعرفية : كأمن ألمعلومات ، وأمن الوثائق وأمن الأفراد وأمن المنشآت وأمن الاتصالات والأمن الحربي وفن المحادثة وكسر المراقبة وأساليب الإثارة وغيرها من المهارات الشخصية على يد أساتذة ليبيون وعربٍ مصريين, نصف عقد من الزمان كان كنصف قرن على شخصي فيزيائياً وسيكولوجياً ومعرفياً . كنت أعلم أن استقالتي آن ذاك لن تقطع حبل وصلي بذلك العالم وبأنني لازلت في البؤرة – مجهر مراقبتهم – ولن اخرج منها في مدةٍ قصيرة ، مع ذلك سعيت جاهداً أن أسترسل حياتي بشكل طبيعي ، اجتماعياً ومهنياً ، فعكفت على وصل أهلي وعائلتي وقبيلتي ومعارفي وأصدقائي وخلق صداقات جديدة لتكون نهجاً وذخراً وسنداً ، وعلى الصعيد المهني أسست شركة متخصصة في صناعة البرمجيات الرقمية واسعة المجال أسميتها "شركة مبرمجي العالم" كان "مركز مبرمجي ليبيا" الذي تأسس وبدأ في العمل فعلياً هو جزء من طموحي للوصول إلى العالمية وافتتاح مراكز أخرى في باقي دول العالم, ولم ينقضي سوى عام وبضعة أشهر على استغراقي في عملي الجديد حتى دخلت ليبيا في انتفاضتها على العقيد. فوجدت نفسي غارق حتى النخاع في أحداثها ، صراعاتها ، آلامها وجراحها ، ولولا لطف الله لما بقيت لأقراء هذه الكلمات أو أعقلها, وفي بدايات شهر نوفمبر للعام 2011 ، كنت قد عدت رسمياً لأحياء مركز مبرمجي ليبيا وأضفت نشاطاً جديداً، حديث العهد على الساحة الليبية ألا وهو "مجلة الشيفرة الليبية". هذا ولا يفوتني أن أنسب الفضل بعد الله سبحانه وتعالى لأولي الفضل من أهلي وأحبتي وكل من ساندني وشد على ساعدي ودعمني، سعيت جاهداً في الأعوام الماضية أن أكتسب خبرات ومهارات جديدة أذكر منها بعض ورشات العمل في ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، إدارة الوقت, إدارة الاجتماعات, التواصل الفعال, العدالة الانتقالية, تجارب الثورات في العالم, كتابة المقترحات التمويلية, التعامل مع الإعلام, مهارات التفكير, التفكير الايجابي, التفكير الإبداعي, وبعض المناهج عن التخطيط الاستراتيجي, استراتيجيات الإدارة الدولية, إدارة الأزمات, جدلية العلاقة بين مزع السلاح والأمن الدولي ، إدارة المشروعات وما تتضمنه من إدارة المخاطر, المواصفات والمعايير, تقليص الدورة المستندية, متابعة الأعمال, المخطط الزمني الافتراضي والحقيقي, أصول كتابة التقارير الفنية, توظيف الأموال, ومحاضرات كسابقتها عن التنمية البشرية : ضبط النفس, فن الاستماع, حسن الصياغة "قوة الكلمة", وما يخدم المرحلة كتاريخ الدستور الليبي, تجارب الدساتير في العالم, لمحة عن القوانين والقرارات التاريخية في العالم, قصص عن شخصيات تاريخية رجال غيروا مجرى التاريخ مثل : سيدنا محمد رسول الله, عمر ابن الخطاب, الحجاج ابن يوسف الثقفي, قيادات الجمهورية الطرابلسية, أدولف هتلر, السكندر المقدوني, والعديد من حركات التغيير ، ولازلت أتعلم وكلما تعلمت شيئاً أزداد أدراكي بأن العلم بحر وما في جعبتي منه ليست إلا قطرة ...
عما نتحدث هذه الأيام
- البرلمان والبرلمانيين (4)
- الدستور (1)
- الشأن العام (7)
- حركة أفق (1)
- صالون السياسة (4)
- عالم السياسة والسياسيين (10)
- عام (2)
- قضايا الوطن (2)
- قناعاتي (9)
- مجاملات (2)
- مشاركة (4)
- مواقف (3)
- نشاطات (2)
- ومضات للعلم (10)
- يومياتي (8)