يوم لا يُنسى: حين حملت صورتي على غلاف “الشعاب”

في صباح يوم السبت، الثاني من يونيو 2012، فوجئت بوجهي يحدق إليّ من واجهة إحدى الصحف بين أيدي المارة. كانت “صحيفة الشعاب”، في عددها الثامن، قد اختارت نشر صورتي على غلافها تحت عنوان كبير: “هل نحن معتقلون أم أسرى حرب؟؟”. التقطت العدسة اللحظة وأنا أقف في قلب الاعتصام أمام مقر رئاسة الوزراء في طرابلس، ممسكًا بالميكروفون، محاطًا بزملائي من المعتقلين السابقين الذين خرجنا معًا للمطالبة بحقوقنا المهدرة. كانت وجوههم تحمل نفس السؤال الذي انعكس في العنوان: أين عدالة الدولة التي حاربت من أجلها؟.
السياق: معتقلو الحرب الذين تحولوا إلى “أرقام” مرة أخرى
كنا مجموعة من الذين سُجنوا خلال حرب التحرير في 2011، بتهمة الوقوف ضد نظام القذافي. عانينا في السجون من التعذيب والحرمان، لكننا آمنّا أن الثورة التي انتصرت ستعيد لنا كرامتنا. بعد الإفراج عنا، لم نتعافَ جسديًا أو نفسيًا، لكن الأسوأ كان رفض الدولة الاعتراف بنا كمعتقلين سياسيين، بل حاولت تصنيفنا كـ”أسرى حرب” – وهو مصطلح قانوني لا ينطبق علينا، إذ لم نكن جنودًا في جيش نظامي، بل مدنيين أُخذوا من بيوتهم أو اختُطفوا لمواقفهم السياسية.
الاحتجاج: حين صرخنا أمام من يملكون القرار
اجتمعنا أمام رئاسة الوزراء، كل واحد منا يحمل ملفًا يوثق سنوات الاعتقال والتعذيب. كنت أتحدث عبر الميكروفون عن التناقض الصارخ:
- كيف تُوقع الدولة على الاتفاقيات الدولية التي تحمي المعتقلين السياسيين، ثم ترفض تطبيقها؟
- لماذا يتم التحايل علينا بتغيير التصنيف القانوني؟ (“أسرى حرب” يُفرج عنهم بنهاية النزاع، أما “المعتقلون السياسيون” فحقوقهم تظل قائمة حتى التعويض والمحاسبة).
لكن الرد الرسمي كان التهرب. قالوا: “أنتم أسرى حرب لأن الاعتقال كان خلال نزاع مسلح”. بينما الواقع أننا كنا ضحايا اعتقال تعسفي خارج إطار القوانين الدولية.
الصحيفة تكسر الصمت
لعل اختيار “الشعاب” لصورتي على الغلاف كان رسالة: هؤلاء الناس ليسوا أرقامًا، وجوههم تُذكركم بواجب العدالة. لكن حتى بعد الضجة الإعلامية، ظلت الدولة تتلاعب بالمصطلحات لتتهرب من مسؤوليتها.
لماذا هذا التصنيف مهم؟
لأنه يحدد مصيرنا:
- المعتقل السياسي له حق التعويض والمحاكمة العادلة لمضطهديه.
- أسير الحرب يُعتبر طرفًا في قتال نظامي، وهو ما ينفي تعرضنا للاضطهاد السياسي.
اليوم، بعد سنوات، لا تزال القضية معلقة. لكن تلك الصورة على غلاف “الشعاب” تبقى شهادة على لحظة حاول فيها الظلم أن يمحو الحقيقة، فانتفضت الكلمات والصور لتقول: نحن هنا، ولن ننسى.